سورة الزخرف - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40)}
قوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} يا محمد {وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي ليس لك ذلك فلا يضيق صدرك إن كفروا، ففيه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفية رد على القدرية وغيرهم، وأن الهدى والرشد والخذلان في القلب خلق الله تعالى، يضل من يشاء ويهدي من يشاء.


{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)}
قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} يريد نخرجنك من مكة من أذى قريش. {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ} وهو الانتقام منهم في حياتك {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} قال ابن عباس: قد أراه الله ذلك يوم بدر، وهو قول أكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة: هي في أهل الإسلام، يريد ما كان بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الفتن. و{نَذْهَبَنَّ بِكَ} على هذا نتوفينك. وقد كان بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نقمة شديدة فأكرم الله نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذهب به فلم يره في أمته إلا التي تقر به عينه وأبقى النقمة بعده، وليس من نبي إلا وقد أري النقمة في أمته. وروي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أري ما لقيت أمته من بعده، فما زال منقبضا، ما انبسط ضاحكا حتى لقي، الله عز وجل. وعن ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا وإذا أراد الله بأمة عذابا عذبها ونبيها حي لتقر عينه لما كذبوه وعصوا أمره».


{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44)}
قوله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} يريد القرآن، وإن كذب به من كذب، ف {إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} يوصلك إلى الله ورضاه وثوابه. {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش، إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم، نظيره: {لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] أي شرفكم. فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب، فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذلك فصاروا عيالا عليهم، لان أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عني به من الامر والنهي وجميع ما فيه من الانباء، فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا.
وقيل: بيان لك ولأمتك فيما بكم إليه حاجة.
وقيل: تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به.
وقيل: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني الخلافة فإنها في قريش لا تكون في غيرهم، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم».
وقال مالك: هو قول الرجل حدثني أبي عن أبيه، حكاه ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس فيما ذكر الماوردي والثعلبي وغيرهما. قال ابن العربي: ولم أجد في الإسلام هذه المرتبة لاحد إلا ببغداد فإن بني التميمي بها يقولون: حدثني أبي قال حدثني أبي، إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبذلك شرفت أقدارهم، وعظم الناس شأنهم، وتهممت الخلافة بهم. ورأيت بمدينة السلام ابني أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب أبي الفرج بن عبد العزيز بن الحارث بن الأسد بن الليث بن سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد ابن أكينة بن عبد الله التميمي وكانا يقولان: سمعنا أبانا رزق الله يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول وقد سئل عن الحنان المنان فقال: الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال. والقائل سمعت عليا: أكينة بن عبد الله جدهم الأعلى. والأقوى أن يكون المراد بقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني القرآن، فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير، والله أعلم. قال الماوردي: {وَلِقَوْمِكَ} فيهم قولان: أحدهما- من اتبعك من أمتك، قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن.
الثاني- لقومك من قريش، فيقال ممن هذا؟ فيقال من العرب، فيقال من أي العرب؟ فيقال من قريش، قاله مجاهد. قلت- والصحيح أنه شرف لمن عمل به، كان من قريش أو من غيرهم. روى ابن عباس قال: أقبل نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سرية أو غزاة فدعا فاطمة فقال: «يا فاطمة اشتري نفسك من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئا» وقال مثل ذلك لنسوته، وقال مثل ذلك لعترته،. ثم قال نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما بنو هاشم بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ولا قريش بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا الأنصار بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ولا الموالي بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون. إنما أنتم من رجل وامرأة وأنتم كجمام الصاع ليس لاحد على أحد فضل إلا بالتقوى». وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لينتهين أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم أو يكونون شرا عند الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها كلكم بنو آدم وآدم من تراب، إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء الناس مؤمن تقي وفاجر شقي». خرجهما الطبري. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الحجرات إن شاء الله تعالى. {وسوف تسألون} أي عن الشكر عليه، قاله مقاتل والفراء.
وقال ابن جريج: أي تسألون أنت ومن معك على ما أتاك. وقيل تسألون عما عملتم فيه، والمعنى متقارب.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12